أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة للدكتور محمد حرز : السكينة والطمأنية وفضائل العشر

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : السكينة والطمأنية في القرآن الكريم وفضائل العشر ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 16 رمضان المبارك 1444هـ ، الموافق 7 أبريل 2023م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 7 أبريل 2023م بصيغة word بعنوان : السكينة والطمأنية في القرآن الكريم وفضائل العشر ، للدكتور محمد حرز.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 7 أبريل 2023م بصيغة pdf بعنوان : السكينة والطمأنية في القرآن الكريم وفضائل العشر ، للدكتور محمد حرز.

عناصر خطبة الجمعة القادمة 7 أبريل 2023م بعنوان : السكينة والطمأنية في القرآن الكريم وفضائل العشر.

 

أولًا: السكينةُ والطمأنينةُ في القرآنِ الكريمِ.

ثانيــــًا : أسبابٌ تُعينُكَ على الطُمأنينةِ والسكينة.

ثالثًا وأخيرًا: العشرُ الأواخرُ أغلَى مِن الذهبِ فاغتنمُوها قبلَ فواتِ الأوانِ

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 7 أبريل 2023م بعنوان : السكينة والطمأنية في القرآن الكريم وفضائل العشر : كما يلي:

خطبة الجمعة القادمة : السكينةُ والطمأنينةُ في القرآنِ الكريمِ وفضائلُ العشرِ ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ16 رمضان 1444هـ، الموافق 7 أبريل 2023م

 

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ، وَجَعَلَ الطُّمَأْنِينَةَ مُلازِمَةً لَهُمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ أَهْلُه وَأُثْنِي عَلَيْهِ، وَأُومِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ ، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ((وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الأنعام: 13). وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقهِ وخليلُهُ، فاللهم صلِّ وسلمْ على مسكِ الختامِ، وخيرِ مَن صلَّى وصام، وطافَ بالبيتِ الحرامِ، وجاهدَ الكفارَ في شهرِ الصيامِ، وعلى آلِهِ وصحبهِ الأعلامِ، مصابيحِ الظلامِ، خيرِ هذه الأمةِ على الدوامِ، وعلى التابعين لهم بإحسانٍ والتزام.

أمَّا بعد: فأوصيكُم ونفسِي أيُّهَا الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمر102

أيُّها السادةُ:( السكينةُ والطمأنينةُ في القرآنِ الكريمِ وفضائلُ العشرِ))عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتنَا

أولًا: السكينةُ والطمأنينةُ في القرآنِ الكريمِ.

ثانيــــًا : أسبابٌ تُعينُكَ على الطُمأنينةِ والسكينة.

ثالثًا وأخيرًا: العشرُ الأواخرُ أغلَى مِن الذهبِ فاغتنمُوها قبلَ فواتِ الأوانِ

بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن السكينةِ والطمأنينةِ في القرآنِ الكريمِ وفضائلِ العشرِ، وخاصةً والناسُ تعيشُ في حالةٍ مِن القلقِ والاضطرابِ والخوفِ والهلعِ بسببِ ارتفاعِ الأسعارِ وغلاءِ المعيشةِ والحروبِ والشائعاتِ، بل وانتشرتْ الأمراضُ النفسيةُ في المجتمعاتِ، ولو أيقنَ الإنسانُ أنّ الرزاقَ هو اللهُ ولو علمَ أنّ رزقَهُ لن يأخذَهُ غيرهُ لأطمئنَّ قلبُهُ وسكنَ، وزادَ الطينُ بِلةً في هذا الأيامِ – أيُّها الأحبَّةُ – ما أحدثتهُ وسائلُ التواصلِ الاجتماعِي بينَ الناسِ حتى غدونَا ‏نعيشُ عصرَ السكينةِ المفقودةِ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ ، وخاصةً وأنَّ نسبةَ المنتحرين في العالمِ تزدادُ يومًا بعدَ يومٍ بسببِ ضعفِ الإيمانِ وعدمِ الثقةِ في اللهِ الواحدِ الديانِ، فما احوجنَا أيُّها الأخيارُ إلى السكينةِ والهدوءِ والاطمئنانِ وسكينةِ الأرواحِ، وأمنِ النفوسِ لنسعدَ في الدنيا والأخرةِ …..وما أحوجَ الناسُ في هذا الزمانِ لمَن يبثُّ الطمأنينةَ والسكينةَ في حياتهِم، لا سيَّمَا ونبيُّنَا ﷺ يقولُ: (يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا ، وَسَكِّنُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا) رواه مسلم، وخاصةً والإِنسانُ يُوَاجِهُ في هذه الحياةِ  المَصَاعِبَ مَهْمَا اشْتَدَّتْ، وَيَتَغَلَّبُ عَلَى الشَّدَائِدِ مَهْمَا جَلَّتْ، وَيَستَمِرُّ فِي الحَيَاةِ مَسِيرُهُ عَلَى نُورٍ وَهُدًى وَبَصِيرَةٍ، واللهِ يا ربِّ

واللهِ لَوْلا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا *** وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا

فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا *** وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاقَيْنَا

إنَّ الأُولى قد بَغَوْا علينَـا*** وإنْ أرادُوا فتنـــةً أبينـــا

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة

أولًا: السكينةُ والطمأنينةُ في القرآنِ الكريمِ.

أيُّها السادةُ: الطمأنينةُ والسكينةُ بمعنى واحدٍ، والسكينةُ: طمأنينةُ القلبِ وأمنُه، واستقرارُه وثباتُه ويقينُه وسكونُه مِن الاضطرابِ والرعبِ، والسكينةُ هي الطمأنينةُ التي يلقيهَا اللهُ في قلوبِ عبادهِ المؤمنين الموحدين ، فتبعثُ على السكونِ والوقارِ ، وتثبتُ القلبَ عندَ المخاوفِ ، فلا تزلزلهُ الفتنُ، ولا تؤثرُ فيه المحنُ، بل يزدادُ إيمانًا ويقينًا، فالسكينةُ: طمأنينةٌ وسكونٌ في القلبِ، ووقارٌ وسكونٌ في الجوارحِ، والسكينةُ هبةٌ مِن اللهِ جلّ وعلا ينزلُهَا على قلوبِ مَن شاءَ مِن عبادهِ، وعلى جوارحهِم وقتَ حاجتهِم للتثبيتِ والطمأنينةِ. فالسكينةُ والطمأنينةُ، نِعَمٌ عظيمةٌ، ومننٌ جليلةٌ أنعمَ اللهُ بها على المؤمنين، وتفضَّلَ اللهُ بها على المتَّقين، وذكرَهَا ربُّنَا جلّ جلاله في مقامِ الممدوحين، وكيف لا ؟ والسكينةُ والطُمأنينةُ أتَى الأنبياءُ بها ليداوُوا قلوبَ المرضَى والتائهين، ليداوُوا الحيارَى والغافلين بجميلِ لطفِهَا وروعةِ أنسِهَا، تلكمُ السكينةُ التي يطمئنُ بها المؤمنون، ويسعَدُ بها الموفَّقون، ويسعى إليها العاقلون، تلكم السكينةُ التي يثبِّتُ اللهُ بها عبادَهُ المؤمنين في أوقاتِ الحُزنِ والفرحِ، في أوقاتِ اللذَّةِ والألمِ. ففي وقتِ الخوفِ والحُزنِ، والاضطرابِ، تنفعُهُم السكينةُ وتثبِّتُهُم فلا يقنَطُوا ولا يستسلمُوا ولا يطيشُ حجرُهم ولا تتيهُ عقولُهُم ولا تسفُه أحلامُهم، قال جلّ وعلا ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)[الْفَتْحِ: 4.، وَمَا أَكْثَرَ المَوَاطِنَ الَّتِي اضْطَرَبَتْ فِيهَا قُلُوبُ المُؤْمِنِينَ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، فَزَالَ عَنْهُمُ الخَوْفُ وَالاضْطِرَابُ والرعبُ، وكيف لا ؟ والسَّكِينَةُ جُنْدٌ مِن جنودِ اللهِ وقد وهبَها اللهُ خليلَه إبراهيمَ -عليه السلام-؟ حين ألقَوْه في النارِ فوجدَ في قلبهِ السكينةَ والطمأنينةَ، وألقَى اللهُ في نفسهِ الهدوءَ والراحةَ حتى اكتفَى بقولهِ: حسبُنَا اللهُ ونعمَ الوكيل، فيأتيه الردُّ مِن السماءِ ((قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ )) الأنبياء:69،ووهبَهَا لموسَى -عليه السلام- وقد غَشِيَه فرعونُ وجنودُه مِن ورائهِ، والبحرُ مِن أمامهِ، فقالَ أصحابُهُ: ((إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)[الشُّعَرَاءِ: 61]، فما كان منه إلّا أنْ قالَ بسكينةٍ وطمأنينةٍ (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)[الشُّعَرَاءِ: 62]، فيأتيه الردُّ مِن السماءِ((أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ، (63،إنّها السَّكِينَةُ التي وهبَها اللهُ لنبيّهِ ﷺ في الغارِ عندما دارَ حوارٌ هامسٌ خفىٌّ بينَ الصديقِ الخائفِ على النبيِّ أكثرَ مِن خوفهِ على نفسهِ وبينَ النبيِّ ﷺ ويردُّ النبيُّ المختارُ بسكينةٍ واطمئنانٍ فقالَ جلَّ وعلا ((إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا))التَّوْبَةِ: 40 ،أنَّها السكينةُ التي طمأنَ اللهُ قلوبَ المؤمنين في غزوتَيْ بدرٍ وأُحدٍ، ويوم حنينٍ، ويوم صلحِ الحديبيةِ قالَ ربُّنَا ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) الفتح 18 وقالَ جلّ وعلا ((إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) الفتح/26 قالَ جلّ وعلا ((لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) [التوبة:25]، ثم بعد ذلك (ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) التوبة:26 وكيف لا ؟ومِن صفاتِ النبيِّ ﷺ حينمَا بعثَهُ اللهُ -كما في الكتبِ السابقةِ– “إنِّي باعِثٌ نبيًّا أُميًّا، ليسَ بفظٍ ولا غليظٍ، ولا صخّابٍ في الأسواقِ، أجعلُ السكينةَ لباسَهُ، والبرَّ شعارَهُ “. 

ففي هذه الأزمانِ أيُّها السادةُ الأخيارُ تشتدُّ الحاجةُ إلى السكينةِ؛ لتُطمئنَّ النفوسُ الحائرةُ، والقلوبُ المضطربةُ ما أحوجنَا للسكينةِ في زمنِ الفتنِ والاستفزازاتِ والإشاعاتِ، في زمنِ انتشارِ الكذبِ!!!فما أحوجنَا للسكينةِ عندَ غلاءِ الأسعارِ، فالسكينةُ راحةُ القلبِ وطمأنينتُهُ، وسلامتهُ وأمنهُ، فالمرءُ بحاجةٍ ماسةٍ إلى سكينةٍ يُطمئنُ بها نفسَهُ، ويرضَى بقضاءِ ربِّهِ، ويصبرُ على ما أصابَهُ، ويجمعُ فكرَهُ، ويلمُّ شعثَهُ، وينظمُ وقتَهُ، ويقتصدُ في عيشِهِ.

 ففي السكينةِ يُحافظُ المرءِ على حياتهِ ودنياه، ويتأنَّى ليُدرَكَ مبتغاه، ولا يخرجهُ قلقُهُ عن رضَا مولاه، فيرتكب ما يُبغضُهُ ويأباهُ. فالسكينةُ إذا حلَّتْ في البيوتِ حلَّ الأمنُ والأمانُ وباركَ اللهُ في القوتِ والأرزاقِ، وتبقَى الأسرُ سعيدةً وأيامهَا حميدةٌ، تُخرجُ أجيالًا صالحةً ولأمتِهَا ناصحةٌ.والسكينةُ إذا حلَّتْ في الأموالِ باركَ اللهُ فيها فيُصبحُ القليلُ كثيرًا، فالبركةُ إذا نزلتْ نمتْ وزادتْ، يقولُ ابنُ القيمِ -رحمه اللهُ-: “السكينةُ إذا نزلتْ على القلبِ اطمأنَّ بها، وسكنتْ إليها الجوارحُ وخشعتْ واكتسبتْ الوقارَ، وأنطقتْ اللسانَ بالصوابِ والحكمةِ، وحالتْ بينهُ وبينَ قولِ الخنا، والفحشِ، واللغوِ، والهجرِ وكلِّ باطلٍ“. وكما أنَّ السكينةَ أيُّها الأخيارُ في الأمورِ الحياتيةِ فهي في الأمورِ التعبديةِ أولَى، والعباداتِ الدينيةِ؛ ليأتِي بها العبدُ على طمأنينةٍ وسكينةٍ، وسكونٍ وخشوعٍ، فيُسكنُ فؤادُهُ، وينشرحُ صدرَهُ، وتتأنّى جوارحُهُ، وتطمئنُ نفسُهُ، ويؤدِّي عبادةَ ربِّهِ على ما يُرضِي ربّهُ، بخلافِ ما إذا جاءَ بهَا على وجهِ العجلةِ، والطيشِ والسرعةِ، ففي الصلاةِ قال عليه الصلاةُ والسلامُ: “إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ؛ (متفقٌ عليه).بل لمّا سمعَ مِن أصحابهِ سرعةً إلى الصلاةِ أرشدَهُم إلى السكينةِ ففي مسلمٍ سمعَ جلبةً، فقالَ: “مَا شَأْنُكُمْ ؟” قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلاةِ، قَالَ: “فَلا تَفْعَلُوا، إِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلاةِ فَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا سَبَقَكُمْ فَأَتِمُّوا“.وفي القيام للصلاة قال: “إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ؛ (رواه البخاري)وفي الحجِّ لمَّا دفعَ مِن عرفةَ سمعَ وراءَهُ زجرًا شديدًا، وضربًا وصوتًا للإبلِ أشارَ إليهِم بسوطهِ، وقال: “أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ“.

والسكينةُ الحقيقةُ أيُّها الأخيارُ: هي سكينةُ النفسِ عند الموتِ وعندَ لقاءِ اللهِ عندمَا يُنادي عليها الملكُ ((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي)) [الفجر:27-30) فإذا عاشَ المرءُ بقلبٍ مطمئنٍ بالإيمانِ، فسيموتُ على الطمأنينةِ ،جعلنَا اللهُ وإياكُم مِن أهلِ هذه النفوسِ الطيبةِ الساكنةِ المطمئنةِ الراضيةِ بقضاءِ اللهِ وقدرهِ. 

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة

ثانيــــًا : أسبابٌ تُعينُكَ على الطُمأنينةِ والسكينة.

أيُّها السادةُ:  الطمأنينةُ والسكينةُ وإنْ كانت هبةً مِن اللهِ، إلّا أنَّ لها أسبابًا يستجلبُ بها المؤمنُ السكينةَ إلى قلبهِ، منها على سبيلِ المثالِ لا الحصر:

أولُهَا، الإيمانُ باللهِ جلّ وعلا، فكونوا مطمئنينَ عبادَ اللهِ بإيمانِكُم فلا طمأنينةَ ولا سكينةَ بلا إيمانٍ، قال جلّ وعلا((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ)) أمنُ القلوبِ والأرواحِ والبلدانِ، وكلّمَا قويَ الإيمانُ وازدادَ، قويتْ السكينةُ وعظمتْ الطمأنينةُ، وبحلولِ السكينةِ في القلبِ يزدادُ الإيمانُ (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ).والرضا باللهِ ربًّا، والتوكلُ عليه، والتسليمُ له، وتفويضُ الأمرِ إليه، والصبرُ على بلائهِ والإيمانُ بالقضاءِ والقدرِ, وأنَّ ما أصابَك لم يكنْ ليخطئَك, وما أخطأكَ لم يكنْ ليصيبَك مِن شعبِ الإيمانِ التي تجعلُ الإنسانَ أكثرَ طمأنينةً وسكينةً في الحياةِ قال جلَّ وعلا ((فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء))الأنعام: من الآية125.وصدقَ المعصومُ ﷺ إذ يقولُ كما في صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ العباسِ (( ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا.)).

ومِن الأسبابِ التي تُعينُكَ على الطُمأنينةِ والسكينةِ: الإقبالُ على ذكرِ اللهِ بتفكُّرٍ وتدبُّرٍ قالَ جلّ وعلا((الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28 بذكرِ اللهِ تسكنُ القلوبُ وتأمنُ النفوسُ وتطمئنُ الأرواحُ. فيا عبدَ اللهِ: ليكنْ لذكرِ اللهِ نصيبٌ وافرٌ في قلبِكَ ولسانِكَ في جميعِ أوقاتِكَ وأحوالِكَ.

ومِن الأسبابِ التي تُعينُكَ على الطُمأنينةِ والسكينةِ: تلاوةُ القرآنِ بالليلِ والنهارِ وعملُ وردٍ لنفسِكَ في كلِّ يومٍ وليلةٍ ، قالَ جلَّ وعلا((اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ))، والسكينةُ تنزلُ عندَ تلاوةِ القرآنِ، فـ ((مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ)) أخرجه مسلمٌ، وكَانَ رَجُلٌ مِن الصحابةِ يَقْرَأُ سُورَةَ الكَهْفِ، وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالقُرْآنِ» متفقٌ عليهِ. فسكونُ القلبِ وطمأنينتهُ قرينانِ لتلاوةِ كتابِ اللهِ وترتيلهِ ليلًا ونهارًا، وحضورِ مجالسِ مدارستهِ.

ومِن الأسبابِ المعينةِ على سكينةِ الروحِ وطمأنينةِ النفسِ: قِلَّةُ الاختلاطِ بالناسِ لغيرِ طاعةٍ (كطلبِ رزقٍ، وصلاةِ جماعةٍ ودرسِ علمٍ ونحوِ ذلك…)
فكثرةُ الاختلاطِ بالناسِ (ونخصُّ منهم السفهاءَ والجُهلاءَ) تُفسِدُ القلبَ، وتُشتتُ الروحَ، وتنزعُ الأخلاقَ، وتضيعُ نفيسَ الأوقاتِ، وبالذاتِ في زمنِ الفتنِ والفسادِ، ففي صحيحِ البخارِي قال: النبيُّ ﷺ :يأتي على الناسِ زمانٌ تكونُ الغنمُ فيهِ خيرَ مالِ المسلمِ، يَتْبَعُ بها سَعَفَ (أو شَعفَ) الجبالِ، ومواقِعَ القَطرِ [، حيثُ ينزلُ المطرُ وينبتُ الكلأُ ، يَفِرُّ بدينهِ مِن الفِتَن”. يَفِرُّ بدينهِ مِن مخالطةِ السفهاءِ الجهلاءِ، يفِرُّ بدينهِ مِن الفِتَنِ فيحققَ راحةَ بالهِ وهدوءَ نفسهِ.

ومِن الأسبابِ التي تُعينُكَ على الطُمأنينةِ والسكينةِ: العلمُ  باللهِ وبأسمائهِ وصفاتهِ وأفعالهِ والسعي للوصولِ إلى اليقينِ بهَا، طريقٌ لمزيدٍ مِن الطمأنينةِ، كما طلبَ إبراهيمُ عليه السلامُ مِن ربِّهِ: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)) والعلمُ يحتاجُ إلى رويةٍ وسكينةٍ، قال عمرُ -رضي اللهُ عنه-: تعلمُوا العلمَ وتعلمُوا للعلمِ السكينةَ والحِلمَ، ولهذا طبَّقَ هذا -رضي اللهُ عنه-؛ فقالَ فيهِ عليٌّ -رضي اللهُ عنه-: “كنا نتحدثُ أنَّ السكينةَ تنطقُ على لسانِ عمرَ وقلبهِ“.

ومِن الأسبابِ التي تُعينُكَ على الطُمأنينةِ والسكينةِ: المحافظةُ على الصلاةِ التي فُرضتْ عليكَ في اليومِ والليلةِ، خمسُ صلواتٍ نعمةٌ مِن اللهِ وهبةٌ، تُناجِي فيها ربَّكَ العظيمَ وتأنسُ بالقربِ منهُ سبحانَهُ قال جلَّ وعلا((إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ))، ولن تحققَ لك الصلاةُ السكينةُ حتى تؤدِّيهَا بطمأنينةِ، فالطمأنينةُ ركنٌ مِن أركانِ الصلاةِ. تطمئنُ في ركوعِكَ وسجودِكَ وقيامِكَ وقعودِكَ وقراءتِكَ وذكرِكَ، وتسكنُ جوارحُكَ وأنت تؤدِّي أركانَهَا .

ومِنْ أسباب اطْمِئْنَانِ القَلْبِ: الصِّدقُ فِي الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ، وَالمَقَاصِدِ وَالنِّيَّاتِ، يَقُولُ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ: ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ؛ فَإِنَّ الصِّدقَ طُمَأْنِينَةٌ وَالكَذِبَ رِيبَةٌ))، فَالصِّدقُ يُحَقِّقُ الطُّمَأْنِينَةَ فِي قَلْبِ المُتَكَلِّمِ، كَمَا يُحَقِّقُ الطُّمَأْنِينَةَ فِي قَلْبِ السَّامِع، ِفكنْ مِن الصادقينَ في أقوالِكَ وأفعالِكَ قبلَ حديثِكَ مع الناسِ، وللهِ درُّ القائلِ:

يا أيُّها الرجلُ الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ***هَلَّا لِنَفْسِك كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ

تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَى***كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ

ابْدَأْ بِنَفْسِك فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا***فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ

لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ***عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ

ومما يُعينُ على الطمأنينةِ والسكينةِ أيُّها السادة: أداءُ الواجباتِ التي أمرَكَ اللهُ بها وإيفاءُ الحقوقِ للمخلوقاتِ، كبرِّ الوالدين، وصِلةِ الأرحامِ، والعفوِ والصفحِ والتجاوزِ عن العثَراتِ، والتغاضِي للناسِ عن الزلَّاتِ.فأنَّى لِمَن آذَى الناسَ وأضرَّ بهم أنْ يشعرَ بهدوءِ النفسِ وطمأنينةِ القلبِ، أنَّى لِمَن استعدَى خلقَ اللهِ عليه أنْ يشعرَ براحةِ البالِ وسكينةِ الروحِ، أنّى ذلك لِمَن عقَّ والديهِ وقطَّعَ أرحامَهُ، وفي الحديثِ المُتَّفَقِ على صحتهِ يقولُ – روحِي فِداهُ – :الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي، وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي، قَطَعَهُ اللهُ “. فكيف لِمَن قطعَهُ اللهُ أنْ تستقرَّ روحُهُ، كيف لِمَن قطعَهُ اللهُ أنْ يستشعرَ الطمأنينةَ في قلبهِ؟!أنَّى لِمَن أكلَ حقوقَ الناسِ حرامًا أنْ يهنأَ لهُ بال؟!أقسمُ لك بأنَّ قلبَكَ لن يطمئنَّ وأنَّ روحَكَ لن تعرِفَ السكينةَ طالمَا أنَّك تؤذِي الناسَ، طالمَا أنّك تتعدّى على حقوقِ الناسِ، طالمَا أنَّك تأكلُ المالَ الحرامَ أو ما فيهِ شُبهةٌ فلن يطمئنَّ قلبُكَ، ولن تسكنَ روحُكَ وَإنْ أفْتَاكَ النَّاسُ وَأفْتُوكَ.لن يطمئنَّ قلبُك، ولن تسكُنَ روحُك، طالما أنَّك تُؤذِي خلقَ اللهِ، ليس البشرَ فقط بل حتى الحيوانَ والنباتَ والحجرَ، إنْ آذيتَهُم فستشعُر بأذى في صدرِكَ ولن تستشعِرَ طمأنينةَ البالِ، ولهذا أتتْ الأحاديثُ النبويَّةُ تأمرُ بالإحسانِ حتى إلى الحيوانِ وإلى الشجرِ والنباتِ أيضًا ليعيشَ الإنسانُ سِلمًا وسلامًا مع الطبيعةِ حتى مِن حولهِ، فيطمئنَّ قلبُه، وتسكُنَ روحُهُ…..ف التوبةُ مِن المعاصي، والتخلصُ مِن المظالمِ، وحقوقِ الناسِ, فإنَّ أعظمَ ما يُقْلِقُ المؤمن: ذنوبُهُ والحقوقُ التي عليه, خصوصًا عندما يتذكرُ الموتَ ولقاءَ الله..فَكُلَّما كان العبدُ ملازمًا للتوبة, بعيدًا عن كلِّ ما يشغلُ ذمتَهُ فيما يتعلقُ بحقوقِ العبادِ كان أكثرَ طمأنينةً وراحةً وسعادةً.

ومِن الأسبابِ المعينةِ على السكينةِ والطمأنينةِ: الصاحبةُ، وهي الزوجةُ والزوجُ، قال جل وعلا ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ))الروم:21]. وقال تعالى ((هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا))الأعراف: 189فكلٌّ مِن الزوجيين – أيُّها الأحبَّةُ – عونٌ للآخر على راحةِ النفسِ، عونٌ للآخرِ على طمأنينةِ البالِ، بمَا يأمِّنهُ لشريكِ حياتهِ مِن راحةٍ وحمايةٍ ومُتعةٍ وصونٍ ووقايةٍ وعونٍ على طاعةِ اللهِ ومشاقِّ الحياة.  ولتسكنْ إليها قلوبُكُم وتشعرُوا معهَا بهدوءِ النفوسِ، وتنسون عندها أثقالَ وأتعابَ الحياةِ. فواجبٌ أنْ تسعَى الزوجةُ لتكونَ سكنًا لزوجِهَا وهو كذلك يسعَى كما قال المولَى جلّ وعلَا: ((هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ))،نعم أيُّها الأخيارُ…وما شهرُ رمضانَ المبارك الذي نعيشُ أيامَهُ الآن إلَّا دورةٌ سنويَّةٌ يهيئُنَا اللهُ بها، لتتطهرَ أجسادُنَا مِن أدرانِهَا، ولتسمُو أرواحُنَا في ملكوتِ ربِّها، شهرُ الصيامِ والقيامِ وتلاوةِ القرآنِ، شهرُ الذِّكرِ والدعاءِ، نِعم العونُ لننالَ السكينةَ والطُمأنينةَ التي نبغِي ،ولكن يا للأسفِ الشديد، كثيرٌ مِن عباداتِنَا في رمضانَ نؤدِّيهَا فلا نزدادُ بها إلّا إرهاقًا وتوتُّرًا، نؤدِّي عباداتِنَا في رمضانَ فلا نزدادُ بهَا إلّا تشتُّتًا للنفسِ واختلاجًا للروحِ، وخواءً للقلبِ، لماذا هذا أيُّها الأحبَّة؟!نؤدِّي العباداتِ في رمضانَ فلا نزدادُ بها إلّا توتُّرًا، لا نشعرُ بالسكينةِ والاطمئنانِ، وما هذا إلّا لأنَّنَا نؤدِّيها ظاهرًا ولكنّنَا لا نؤدِّيهَا حقيقةً كما أُمِرْنَا أنْ تُؤدَّى؛ يُضيعُ أحدُنَا الساعاتِ الطويلةَ في اللهو على التلفازِ وعلى الجوالِ وفي سهراتِ اللغوِ التافهِ والكلامِ الفارِغ … فإذا أطالَ الإمامّ أو الخطيبُ عشرَ دقائق ضاقتْ أنفسُنَا ذرعًا وكأنّنَا في تلك الدقائقِ العشرِ كُنَّا سنحلُ مشاكلَ الكرةِ الأرضيةِ وسنبيعُ تجارةً بملايين الدولاراتِ الأمريكية!!ساعاتٌ تمضي وكلٌّ منّا عينهُ في جوَّالِه أو على التِّلفاز …. عشرُ دقائق إضافيةٌ يُطيلُ بها الإمامُ صلاتَهُ، أو يطيلُ بها الخطيبُ في خُطبتِه، أو دقيقتانِ يُطيلُ بهما المُدرِّسُ في درسِهِ، نشعُرُ وكأنَّ أرواحنَا تتصعَّدُ في السماءِ!! ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، فالسكينةَ السكينةَ، الطمأنينةَ الطمأنينةَ عبادَ الله.

ومِن أسبابِ الطمأنينةِ والسكينةِ: الدعاءُ، وسؤالُ اللهِ أن ينزلَ عليكَ السكينةَ ويرزقَكَ الطمأنينةَ وثباتَ القلبِ على الإيمانِ، فالسكينةُ مِن مواهبِ الربِّ لعبادهِ بأسبابِهَا، فاستوهبوها ربَّكُم. فاللهم إنَّا نسألُكَ طمأنينةً وخشوعًا، وأمنًا وإيمانًا، باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ والسنةِ، ونفعنَا بما فيهما مِن الآياتِ والحكمةِ. الخطبة الثانية:

 الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِين, وَالعَاقِبةُ للمُتّقِين, وَلا عُدوانَ إِلا عَلَى الظَّالِمين, وَأَشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً.…..أما بعد :

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة

ثالثًا وأخيرًا: العشرُ الأواخرُ أغلَى مِن الذهبِ فاغتنمُوها قبلَ فواتِ الأوانِ

أيُّها السادةُ : العشرُ الأواخرُ مِن رمضانَ منحةٌ ربانيةٌ وغنيمةٌ إلهيةٌ ونفحةٌ مِن نفحاتِ الرحمنِ يتنافسُ فيها المتنافسونَ ويستغفرُ فيها المستغفرونَ ويتوبُ فيها المذنبون، نفحةٌ مِن نفحاتِ ربِّكُم ألَا فتعرضُوا لها لماذا يا رسولَ اللهِ ؟ لعلَّ أنْ تصيبَكُم نفحةٌ مِن نفحاتِ ربِّكُم فلا تشقونَ بهَا أبدًا...و نبيُّنَا ﷺ هو قدوتُنَا وهو أسوتُنَا  وهو معلمُنَا وهو مرشدُنَا بنصٍّ مِن عندِ اللهِ ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، نبيُّنَا ﷺ الذي ينبغِي أنْ نسيرَ على دربِهِ وأنْ نكتفِيَ أثرَهُ تقولُ عائشةُ رضى اللهُ عنها كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ. رواه مسلمحَيْثُ كَانَ يَعْتَكِفُ فِيهَا وَيَتَحَرَّى لَيْلَةَ الْقَدْرِ خِلَالَهَا فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: كَانَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَشَدَّ مِئْزَرَهُ وجَدَّ))، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. بدأتْ العشرُ الأواخرُ مِن رمضانَ وبدأَ السباقُ الحقيقيُّ وفي ذلك فليتنافسْ المتنافسُون  إنَّها ليالي العابدين، وقرةُ عيونِ القانتين، وملتقَى الخاشعين، ومأوى الصابرين..  ليالي قصيرةٌ لا مجالَ فيها مِن التقصيرِ فيها يحلو الدعاءُ، ويكثرُ البكاءُ.. وتخشعُ القلوبُ والأبدانُ إنَّها ليالٍ معدودةٌ وساعاتٌ محدودةٌ، إنَّها ليالٍ يسيرةٌ.. والعاقلُ يغتنمُهَا؛ لعلهُ يفوزُ بالدرجاتِ العُلا في الجنانِ.. إنَّها ليستْ بجنةٍ بل جنان.. فيا نائمًا متى تستيقظُ؟! ويا غافلاً متى تنتبَّه؟ يا مقصرًا متى تلتزمُ؟ ؟ يا تائهًا متى تفيقُ ؟ويا مجتهدًا اعلمْ أنَّك بحاجةٍ إلى مزيدٍ مِن الاجتهادِ والطاعةِ، اغتنمُ هذه العشرَ؟ اغتنمها بتجديدِ التوبةِ والرجوعِ إلى اللهِ والندمِ على ما فرطتُ في جنبِ اللهِ قال تعالي: ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) [ الزمر: 53]. فبابُ التوبةِ مفتوحٌ لا يغلقُ أبدًا فهل مِن توبةٍ  قبلَ فواتِ الأوانِ؟ فسبحانَ مَن يبسطُ يدهُ بالنهارِ ليتوبَ مسيءُ الليلِ ويبسطُ يدهُ بالليلِ ليتوبَ مسيءُ النهارِ

اغتنمْ هذه العشرَ بالصلاةِ والقيامِ  والتهجدِ بين يدى اللهِ بذلٍ وانكسارٍ فعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه عن النبيِّ ﷺ أنَّهُ قال : (ن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) متفق عليه

اغتنمْ هذه العشرَ بالإكثارِ مِن الدعاءِ، ولا سيَّمَا ذلكم الدعاءُ العظيمُ المأثورُ الذي علمَهُ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلم- أمَّ المؤمنين عائشةَ -رضي اللهُ عنها-، ففي الترمذي أنَّ عائشةَ -رضي اللهُ عنها- قالتْ: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ إنْ علمتُ ليلةَ القدرِ أيَّ ليلةٍ هي، فماذا أقولُ؟ قال: “قولي: اللهمَّ إنَّك عفوٌ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي“))فإذا أردتَ أنْ يعفو عنك الملكُ فلابدَّ وأنْ تعفو عن الناسِ قالَ ربُّنَا : ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) [سورة  الأعراف: 199

اغتنم هذه العشرَ بالذكرِ والاستغفارِ وقراءةِ القرآنِ ,قال أحدُ الصالحين يومًا لجلسائِهِ: أنا اعلمُ متي يذكرونِي ربِّي؟ فتعجبَ الناسُ فسألوهُ كيف ذلك؟ أي متي يذكرُكَ ربُّكَ؟ قال: أمَا قرأتُم قولَ اللهِ تعالي : { فاذكرونِي أَذْكُرْكُمْ } [ البقرة : 152 ] فإذا ذكرتَ مولاكَ ذكركَ مولاكَ ومَن أنتَ حتي يذكركَ مولاكَ؟ أنت العبدُ الضعيفُ الذليلُ الذي لا تملكُ لنفسِكَ حولًا ولا طولًا ولا قوةً ولا حياةً .

فعليك بكثرةِ الاستغفارِ (طُوبى لِمن وَجَد في صَحيفتِه استِغفارًا كثيرًا. (كما قال نبيُّنَا صلَّى اللهُ عليه وسلمنغتنمُ هذه العشرَ بالإنفاقِ والجودِ والكرمِ وإخراجِ زكاةِ الفطرِ والحرصِ على أدائِهَا، فرمضانُ شهرُ الجُودِ والكرَمِ، ورسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلم – كان أجودَ الناسِ “وكان أجودَ ما يكونُ في رمضانَ حين يلقاهُ جبريلُ فيعرِضُ عليه القرآنَ، فرسولُ اللهِ ﷺ أجودُ بالخيرِ مِن الرِّيحِ المُرسَلةِ“.فكُنْ جوّادًا بالخيراتِ والطاعاتِ التي تُقرِّبُك إلى ربِّ الأرضِ والسماواتِ .. كُنْ جوّادًا كريمًا مُحسِنًا في قولِك وفعلِك وسُلوكِك .. كُن مُحسِنًا بأنواعِ الإحسانِ القوليِّ والفعليِّ.وتذكَّرْ الفقراءَ والمساكينَ في هذه الأيامِ وفي تلكم الأزماتِ .. فلا تنسَوهم بفضلِكُم وإحسانِكُم، (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ: 39فيا هذا نَفَسُكَ معدودٌ وعمرُكَ  محسوبٌ فكم أملتَ أملاً وانقضَي الزمانُ وفاتَكَ ولا أراكَ تفيقُ حتي تلقَي وفاتَكَ . فاحذرْ ذللَ قدمِكَ, وخفْ طولَ ندمِكَ ,واغتنمْ حياتَكَ قبلَ موتِكَ , وفراغَكَ قبلَ شغلِكَ , وغناكَ قبلَ فقرِكَ , وصحتَكَ قبلَ مرضِكَ وشبابَكَ قبلَ هرمِكَ

دقاتُ قلبِ المرءِ قائلـــةٌ له *** إنَّ الحياةَ دقـــــائقٌ وثوان
فارفعْ لنفسِكَ قبلَ موتِكَ ذكرَهَا ***   فالذكرُ للإنسانِ عمرٌ ثان

فالبدارَ البدارَ قبلَ فواتِ الأوانِ باغتنامِ أيامِ الرحماتِ أيامِ النفحاتِ أيامِ العتقِ مِن النيرانِ بالطاعاتِ والقراباتِ وبحسنِ الأخلاقِ والإحسانِ إلى الناسِ في كلِّ مكانٍ .فالبدارَ البدارَ بالجدِّ والعملِ والبعدِ عن الكسلِ والخمولِ، البدارَ البدارَ باغتنامِ ما بقىَ مِن رمضانَ فأنَّك لا تدري يامسكينُ هل ستعيشُ إلى رمضانَ المقبلِ أم لا ؟

نسألُ اللهَ العظيمَ ربَّ العرشِ العظيمِ أنْ يتقبلَ منَّا صيامَنَا وقيامَنَا وصلاتَنَا وزكاتَنَا وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ سوءٍ وشرٍّ إنّه ولىُّ ذلك ومولاه…        

كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه

د/ محمد حرز

 _______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »